سورة الأحزاب - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (49)} [الأحزاب: 33/ 45- 49].
هذه مهمات أو وظائف سبع للنّبي صلّى اللّه عليه وسلم، ذكرت الآية الأولى منها ثلاثا: وهي الشهادة على أمته وغيرهم بالتبليغ إليهم، والتبشير، والإنذار، فيا أيها النّبي المنزل إليك الوحي، إنا كلفناك وأرسلناك شاهدا على أمّتك بالتبليغ إليهم، وعلى سائر الأمم في تبليغ أنبيائهم، ونحو ذلك، وتبشر المؤمنين برحمة اللّه وبالجنة، وتنذر العصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما فيما رواه ابن أبي حاتم وغيره: لما نزلت هذه الآية، دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّا ومعاذا رضي الله عنهما، فبعثهما إلى اليمن، وقال: «اذهبا فبشّرا ولا تّنفّرا، ويسّرا ولا تعسّرا، فإني قد أنزل علي، وقرأ الآية».
والآية الثانية ذكرت وظيفتين للنّبي صلّى اللّه عليه وسلم، وهما الدعوة إلى الله، وجعلك سراج النور المنقذ من ظلمة الكفر، فيا أيها النّبي إنا جعلناك داعية الناس إلى اللّه بأمره في تبليغ التوحيد والأخذ به، ومكافحة الكفر. وجعلناك أيضا ذا سراج تضمّنه شرعك لما فيه من النور، لتخرج الناس من ظلمة الكفر إلى نور الحق والتوحيد والإيمان.
فقوله: {وَسِراجاً مُنِيراً} استعارة للنور الذي يتضمنه شرعه، فكأن المهتدين به والمؤمنين يخرجون بنوره من ظلمة الجهالة والكفر إلى الإيمان الحق. ووصف السّراج بالإنارة، لتميّزه وإضاءته، لأن بعض السّرج لا يضيء لضعفه.
ومفاد المهمة السادسة في الآية الثالثة: تبشير المؤمنين المصدّقين برسالتك بأن لهم فضلا كبيرا على سائر الأمم، وأجرا عظيما.
أخرج ابن جرير الطبري في سبب نزول هذه الآية عن عكرمة والحسن البصري قالا: لما نزل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح: 48/ 2]. قال رجال من المؤمنين: هنيئا لك يا رسول الله، قد علمنا بما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ الآية} [الفتح: 48/ 5]، وأنزل في سورة الأحزاب: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً}.
والمهمة السابعة: لا تطع أيها النّبي الكافرين بنبوتك، ولا المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، واترك إيذاءهم وعقابهم، أي اصفح عن زللهم ولا تؤذهم، وفوّض أمرك إلى اللّه تعالى في كل ما تعمل وتذر، وثق به، فإن فيه كفاية لهم، والله هو حافظك وراعيك، وكفى بالله كافيا عبده، وذلك حق مطلق: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} [الزّمر: 39/ 36].
ثم عاد البيان القرآني لتفصيل حكم عدة ومتعة المرأة غير المدخول بها، بعد بيان عدة زينب المدخول بها، في حال طلاقها، فيا أيها المصدّقون بالله ورسوله، إذا تزوجتم النساء المؤمنات، ثم طلقتموهن قبل الدخول (أو البناء) بهن، فليس لكم عليهن عدة تستوفون عددها، ولكن قدّموا لهنّ بعد الطلاق تطييبا لخاطرهن متعة:
وهي كسوة كاملة تليق بكم وبهن بحسب الزمان والمكان، وطلقوهن طلاقا لا ضرر فيه، بل إنه متّصف بجمال التسريح: وهو ألا يطالبها بما آتاها، ويحسن عشرتها، ويكلمها بكلام طيب دون أذى. فقوله: {تَعْتَدُّونَها} من العدّ. وتخصيص المؤمنات بالذّكر: {إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ} إرشاد إلى الحرص على الزواج بالمؤمنات، فإنهن أشدّ تحصينا للدين.
وهذه الآية خصّصت آيتين: إحداهما: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 2/ 228] فخصصت هذه الآية من لم يدخل بها، وكذلك خصّصت من ذوات الثلاثة الأشهر: المرأة اليائس من الحيض، والصغيرة التي لم تحض قبل الدخول في آية: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطّلاق: 65/ 4] فهاتان قبل الدخول لا عدة عليهما.
خصوصيات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الزواج:
اقتضت ظروف النبوة وأحوال نشر الدعوة الإسلامية اختصاص النبي صلى الله عليه وسلّم ببعض الأحكام في الزواج بالنساء، ومنها هبة المرأة نفسها للنبي من غير مهر، وإعفاؤه من القسم بين الزوجات، والاقتصار على زوجات تسع، وهذا ما نصت عليه الآيات الآتية:


{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52)} [الأحزاب: 33/ 50- 52].
أحل اللّه تعالى لنبيه أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها، وأباح له كل النساء بهذا الوجه ضمن قيود معينة، وأباح له ملك اليمين، وأباح له بنات العم والعمة والخال والخالة ممن هاجرن معه، وخصص هؤلاء بالذكر تشريفا وتنبيها. ذكر اللّه تعالى في الآية الأولى أربع فئات من النساء المباحات للنبي صلّى اللّه عليه وسلم، الأولى: النساء الممهورات، أي اللاتي أعطيت أجورهن، والأجر في اللغة: المهر، والفئة الثانية: ملك اليمين مثل صفية وجويرية وريحانة بنت شمعون النضرية، ومارية القبطية أم إبراهيم. والفئة الثالثة: بنات العم والعمة والخال والخالة المهاجرات معه من مكة إلى المدينة. والفئة الرابعة: المرأة الواهبة نفسها للنبي بغير مهر، إن رغب النبي في الزواج بها، والزواج بلفظ الهبة خصوصية للنبي دون المؤمنين هذه خصوصيات للنبي، وقد علم اللّه حكم ما أحل من النساء لبقية المؤمنين من الزوجات والمملوكات المسبيات. وإباحة هؤلاء النساء لك أيها النبي لدفع الحرج والمشقة عنك، ولتتفرغ لتبليغ رسالتك، وكان الله وما يزال واسع المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات، ما لا يمكن التحرز عنه، ورحيما بك وبالمؤمنين، بدفع الحرج والمشقة، وترك العقاب على ذنب تابوا عنه.
وسبب نزول هذه الآية:
هو ما أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس عن أم هانئ قالت: خطبني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، فاعتذرت إليه، فعذرني، فأنزل الله: {إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ} إلى قوله: {اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ} فلم أكن أحلّ له، لأني لم أهاجر.
وخير اللّه نبيه في القسم بين الزوجات دون إلزام، فلك أن تؤخر المبيت عند من تشاء من زوجاتك، أي هذه الأصناف كلها، وتبيت مع من تشاء، لا حرج عليك من ترك القسم لهن، ومن طلبت إلى المبيت معك ممن تركت البيتوتة معهن، فلا إثم ولا حرج عليك في ذلك، كل ذلك أقرب إلى سرورهن وقرة أعينهن، وعدم حزنهن، ورضاهن كلهن بما تفعل، دون قلق ولا عتاب، واللّه تام العلم بالميل لبعضهن دون بعض، من غير اختيار، وكان اللّه وما يزال شامل العلم تام الحلم، فلا يعاجل المذنب بعقاب، حتى يتوب.
نزلت هذه الآية كما أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي اللّه عنها: أنها كانت تقول: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها!! فأنزل الله: {تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ} الآية، فقالت عائشة: أرى ربك يسارع لك في هواك.
وبما أن ملك اليمين نادر، فإن نساء النبي سررن بسبب تحريم بقية النساء على النبي، بنزول هذه الآية. ثم حرم الله تعالى على نبيه التزوج بغير الزوجات التسع اللاتي عنده، فلا يحل لك أيها الرسول النساء بعد هؤلاء اللواتي عندك، جزاء لاختيارهن الله ورسوله، ولا يحل لك أيها النبي الاستبدال بهن غيرهن، بأن تطلق واحدة منهن وتتزوج بأخرى، وإن أعجبك حسنها، إلا ملك اليمين، كمارية القبطية التي أهداها المقوقس لك، وكان الله وما يزال مطلعا على كل شيء، مراقبا كل ما يكون من أي إنسان، وكل ما يحدث في الكون، فاحذروا مخالفة أوامره، فإن الله يجازي كل امرئ بما كسب.
وسبب نزول هذه الآية:
هو ما أخرج ابن سعد في الطبقات عن عكرمة، قال: لما خيّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أزواجه اخترن الله ورسوله، فأنزل الله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ}.
فهذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلم ورضا الله عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيّرهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
آداب دخول البيت النبوي:
إن للبيوت عامة حرمة خاصة، وتزداد هذه الحرمة وتتألق في بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لذا شرع الإسلام آدابا عامة في الدخول لبيوت الآخرين والخروج منها، وآدابا خاصة بالبيت النبوي، وفرض الحجاب على نساء النبي، وتحريم الزواج بهن من بعده، ومنع الاختلاط. وقد نزلت آية حجاب زوجات النبي أمهات المؤمنين، كما ذكر قتادة والواقدي، في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بزينب بنت جحش التي زوّجها الله من نبيه، في ذي القعدة من السنة الخامسة.
وهذه هي الآداب في الآيات القرآنية الآتية:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55)} [الأحزاب: 33/ 53- 55].
تضمنت الآية الأولى حكمين: الأول- الأدب في شأن الطعام والجلوس، والثاني- أمر الحجاب. أما الحكم الأول، فيا أيها الذين آمنوا أو صدقوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيتا من بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في كل الأحوال إلا بالإذن لتناول طعام، غير منتظرين وقت نضجه، فإذا نضج فادخلوا. فإذا دعيتم فادخلوا، فإذا تناولتم الطعام فانتشروا في الأرض غير مستأنسين أو مشتغلين بلهو الحديث. إن دخولكم بيت النبي واشتغالكم بالحديث قبل نضج الطعام كان يؤذي النبي، وإيذاؤه حرام، وكان النبي يتضايق من ذلك، ويكره أن ينهاكم عن ذلك من شدة حيائه صلّى اللّه عليه وسلم، والله لا يستحيي من بيان الحق، وهو الأمر بالخروج من البيت، ومنع البقاء فيه.
وهذا أدب عام يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وسائر المؤمنين.
نزلت هذه الآية فيما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أنس، قال: لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم زينب بنت جحش، دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة، ثم انطلقوا، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنهم انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية.
والحكم الثاني: هو حجاب زوجات النبي، فكما نهيتكم عن الدخول إلى بيوت النبي من غير إذن، ودون انتظار نضج الطعام، كذلك نهيتكم عن النظر إلى زوجات النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فإذا طلبتم منهن شيئا من الأمتعة، كالمواعين وسائر مرافق الدين والدنيا، فاطلبوه من وراء حجاب ساتر. ذلك الحجاب أطهر وأطيب للنفس، وأبعد عن الريبة، لقلوبكم، وقلوبهن، أي أطهر من الهواجس ووساوس الشيطان.
وذلك لأنه لم يصح لكم أن تؤذوا رسول الله وتضايقوه، كالبقاء في منزله، والاشتغال بالحديث، وانتظار نضج الطعام، ويحرم عليكم أبدا التزوج بنسائه بعد الفراق بموت أو طلاق، تعظيما له، إن إيذاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وزواج نسائه من بعده ذنب عظيم وإثم كبير. والبعد عن الإيذاء سرا وعلنا مطلوب، فإنكم إن تظهروا شيئا من الأذى أو تكتموه، فإن الله تام العلم به، يعلم السرائر والخفايا، والظواهر والأحوال كلها.
ثم استثنى الله من حكم حجاب أزواج النبي: المحارم، فلا إثم ولا حرج على زوجات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في ترك الحجاب أمام الآباء والأبناء، بسبب النسب أو الرضاع، والإخوة وأبناء الإخوة والأخوات، وأمام النساء المؤمنات، والأرقاء من الذكور والإناث، بعدا عن الحرج والمشقة في ذلك بسبب الخدمة. ودخل الأعمام في الآباء.
والمرفوع فيه الإثم بهذه الآية: هو الحجاب كما قال قتادة، أي يباح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون الحجاب، ورؤيتهن.
وقال مجاهد: ذلك في وضع الجلباب وإبداء الزينة. ثم مع الإلزام بالحجاب أمر الله نساء النبي بالتقوى، وتوعد على المخالفة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} أي إن الله كان وما يزال مطلعا على كل شيء، وفي ذلك منتهى التحذير من مخالفة الأمر والنهي الإلهي.
حكم إيذاء النبي والمؤمنين:
لقد عظّم الله تعالى نبيه المصطفى صلّى اللّه عليه وسلم، فأعلن الصلاة عليه، أي رحمته، وأمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، وهذا تشريف له، وذكر الله منزلته عنده، وحرّم إيذاءه بمخالفة أمره، وعصيان نهيه، والطعن في أهل بيته، فإن المؤذين ملعونون في الدنيا، معذبون في الآخرة، وكذلك حرّم الله تعالى إيذاء أهل الإيمان، وجعل ذلك مستوجبا للإثم الكبير، وهذا ما أبانته الآيات الكريمة الآتية:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6